سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


قوله تعالى: {خُلِقَ الإِنسانُ من عَجَلٍ} وقرأ أبو رزين العُقيلي، ومجاهد، والضحاك: {خَلَقَ الإنسانَ} بفتح الخاء واللام ونصب النون. وهذه الآية نزلت حين استعجلت قريش بالعذاب.
وفي المراد بالإِنسان هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: النضر بن الحارث، وهو الذي قال: {اللهم إِن كان هذا هو الحقَّ من عندك...} الآية [الانفال: 32]، رواه عطاء عن ابن عباس.
والثاني: آدم عليه السلام، قاله سعيد بن جبير، والسدي في آخرين.
والثالث: أنه اسم جنس، قاله علي بن أحمد النيسابوري؛ فعلى هذا يدخل النضر ابن الحارث وغيره في هذا وإِن كانت الآية نزلت فيه.
فأمَّا من قال: أُرِيدَ به آدم، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: أنه خُلق عجولاً، قاله الأكثرون. فعلى هذا يقول: لما طُبع آدم على هذا المعنى، وُجد في أولاده، وأورثهم العَجَل.
والثاني: خُلق بعَجَل، استَعجل بخَلْقه قبل غروب الشمس من يوم الجمعة، وهو آخر الأيام الستة، قاله مجاهد.
فأما من قال: هو اسم جنس، ففي معنى الكلام قولان:
أحدهما: خُلِقَ عَجُولاً؛ قال الزجاج: خوطبت العرب بما تعقل، والعرب تقول للذي يكثر منه اللعب: إِنما خُلقتَ من لَعِب، يريدون المبالغة في وصفه بذلك.
والثاني: أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، والمعنى: خُلقتِ العجلة في الإِنسان، قاله ابن قتيبة.
قوله تعالى: {سأُريكم آياتي} فيه قولان:
أحدهما: ما أصاب الأمم المتقدِّمة؛ والمعنى: إِنكم تسافرون فترون آثار الهلاك في الماضين، قاله ابن السائب.
والثاني: أنها القتل ببدر، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {فلا تستعجلون} أثبت الياء في الحالين يعقوب.
قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الوعد} يعنون: القيامة. {لو يعلم الذين كفروا} جوابه محذوف، والمعنى: لو علموا صدق الوعد ما استعجلوا، {حين لا يكفُّون} أي: لا يدفعون {عن وجوههم النار} إِذا دخلوا {ولا عن ظهورهم} لإِحاطتها بهم {ولا هم يُنصَرون} أي: يُمنَعون مما نزل بهم، {بل تأتيهم} يعني: الساعة {بغتةً} فجأَةً {فَتَبْهَتُهم} تحيِّرهم؛ وقد شرحنا هذا عند قوله: {فبُهت الذي كفر} [البقرة: 258]، {فلا يستطيعون ردَّها} أي: صرفها عنهم، ولا هم يُمْهَلون لتوبة أو معذرة. ثم عزّى نبيّه، فقال: {ولقد استهزئ برسل من قبلك} أي: كما فعل بك قومك {فحاق} أي نزل {بالذين سَخِروا منهم} أي: من الرسل {ما كانوا به يستهزؤون} يعني: العذاب الذي كانوا استهزؤوا به.


قوله تعالى: {قل من يكلؤكم} المعنى: قل لهؤلاء المستعجِلين بالعذاب: من يحفظكم من بأس الرحمن إِن أراد إِنزاله بكم؟! وهذا استفهام إِنكار، أي: لا أحد يفعل ذلك، {بل هم عن ذِكْر ربِّهم} أي: عن كلامه ومواعظِهِ {مُعْرِضون} لا يتفكَّرون ولا يعتبرون. {أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا} فيه تقديم وتأخير، وتقديره: أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم؟ وهاهنا تم الكلام. ثم وصف آلهتهم بالضعف، فقال: {لا يستطيعون نصر أنفسهم} والمعنى: من لا يقدر على نصر نفسه عمّا يُراد به، فكيف ينصُر غيره؟!
قوله تعالى: {ولا هم} في المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم الكفار وهو قول ابن عباس.
والثاني: أنهم الأصنام، قاله قتادة.
وفي معنى {يُصْحَبُونَ} أربعة أقوال.
أحدها: يُجارُون، رواه العوفي عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: والمعنى: لا يجيرهم منَّا أحدٌ، لأن المجير صاحب لجاره.
والثاني: يُمنعون، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: يُنصرون، قاله مجاهد.
والرابع: لا يُصحبون بخير، قاله قتادة.
ثم بيَّن اغترارهم بالإِمهال، فقال: {بل متَّعنا هؤلاء وآباءَهم} يعني أهل مكة {حتى طال عليهم العُمُر} فاغترُّوا بذلك، {أفلا يرون أنا نأتي الأرض نَنْقُصُها من أطرافها} قد شرحناه في [الرعد: 41]، {أفَهُمُ الغالبون} أي: مع هذه الحال، وهو نقص الأرض، والمعنى: ليسوا بغالبين، ولكنَّهم المغلوبون. {قل إِنما أُنذرِكُم} أي: أُخَوِّفكم {بالوحي} أي: بالقرآن، والمعنى: إنني ما جئتُ به من تلقاء نفسي، إنِما أُمِرْتُ فبلَّغتُ، {ولا يسمع الصُّمُّ الدُّعاءَ} وقرأ ابن عامر: {ولا تُسْمِعُ} بالتاء مضمومة {الصُّمَّ} نصباً. وقرأ ابن يعمر، والحسن: {ولا يُسْمَعُ} بضم الياء وفتح الميم {الصُّمُّ} بضم الميم. شبَّه الكفار بالصُمّ الذين لا يسمعون نداء مناديهم؛ ووجه التشبيه أن هؤلاء لم ينتفعوا بما سمعوا، كالصُمِّ لا يفيدهم صوت مناديهم. {ولئن مسَّتهم} أي: أصابتهم {نَفْحَةٌ} قال ابن عباس: طرف. وقال الزجاج: المراد أدنى شيء من العذاب، {ليقولُنَّ ياويلنا} والويل ينادي به كلُّ من وقع في هلَكة.


قوله تعالى: {ونضعُ الموازينَ القِسْطَ} قال الزجاج: المعنى: ونضع الموازين ذوات القسط، والقسط: العدل، وهو مصدر يوصف به، يقال: ميزان قسط، وميزانان قسط، وموازين قسط. قال الفراء: القسط من صفة الموازين وإِن كان موحَّداً، كما تقول: أنتم عدل، وأنتم رضىً. وقوله: {ليوم القيامة} و{في يوم القيامة} سواء. وقد ذكرنا الكلام في الميزان في أول [الأعراف: 8].
فإن قيل: إِذا كان الميزان واحداً، فما المعنى بذكر الموازين؟
فالجواب: أنه لما كانت أعمال الخلائق توزن وزنةً بعد وزنة، سمِّيت موازين.
قوله تعالى: {فلا تُظْلَم نفس شيئاً} أي: لا يُنْقَص محسن من إِحسانه، ولا يُزاد مسيء على إِساءته {وإِن كان مثقالَ حَبَّة} أي: وزن حبة. وقرأ نافع: {مثقالُ} برفع اللام. قال الزجاج: ونصب {مثقالَ} على معنى: وإِن كان العمل مثقال حبة. وقال أبو علي الفارسي: وإِن كان الظُّلامة مثقال حبة، لقوله تعالى: {فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شيئاً}. قال: ومن رفع، أسند الفعل إِلى المثقال، كما أسند في قوله تعالى: {وإِن كان ذو عُسْرة} [البقرة: 280].
قوله تعالى: {أتينا بها} أي: جئنا بها. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وحميد: {آتينا} ممدودة، أي: جازينا بها.
قوله تعالى: {وكفى بنا حاسبين} قال الزجاج: هو منصوب على وجهين، أحدهما: التمييز، والثاني: الحال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8